إدارة الشئون الفنية
أسعد الناس

أسعد الناس

21 يناير 2022

خطبة الجمعة المذاعة والموزعة

بتاريخ 18 من جمادى الآخرة 1443هـ - الموافق 21 / 1 /2022م

أَسْعَدُ النَّاسِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الخَلْقَ فَجَعَلَ مِنْهُمْ سُعَدَاءَ وَأَشْقِيَاءَ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ العَرْضِ وَاللِّقَاءِ. ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [ [الحديد:28].

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا المُسْلِمُونَ:

إِنَّ الحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ الهَنِيَّةَ، وَالسَّعَادَةَ الدَّائِمَةَ الرَّضِيَّةَ: مَطْلَبٌ يَنْشُدُهُ كُلُّ البَشَرِ، وَأُمْنِيَّةٌ يَسْعَى لَهَا كُلُّ مَنْ يَرُومُ العُقْبَى وَالظَّفَرَ، تَهْفُو لَهَا النُّفُوسُ وَتَفْتَرُّ لَهَا الثُّغُورُ، وَتَلَذُّ بِهَا الأَفْئِدَةُ وَتَنْشَرِحُ لَهَا الصُّدُورُ؛ فَمَا مِنْ إِنْسَانٍ إِلَّا وَيُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنَ السُّعَدَاءِ، وَيَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي زُمْرَةِ الأَشْقِيَاءِ، وَلَكِنَّ قَلِيلًا مِنَ السَّاعِينَ مَنْ يَسْلُكُ سُبُلَ السَّعَادَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَيُرَاعِي أَسْبَابَهَا الحَقِيقِيَّةَ، فَلَقَدْ تَنَوَّعَتْ مَشَارِبُ النَّاسِ فِي البَحْثِ عَنِ السَّعَادَةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَوَهَّمَهَا فِي كَثْرَةِ المَالِ وَتَعَدُّدِ الذُّرِّيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَخَيَّلُهَا فِي المَنْصِبِ وَالجَاهِ وَتَحْقِيقِ الرَّغَبَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْشُدُهَا فِي الشُّهْرَةِ وَزِيَادَةِ المُتَابِعِينَ وَالمُعْجَبِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرُومُهَا فِي فَنٍّ يُؤَدِّيهِ، أَوْ مَقْطَعٍ يَظْهَرُ فِيهِ، فَهَلْ نَالَ هَؤُلَاءِ السَّعَادَةَ وَظَفِرُوا بِهَا؟.

لَقَدْ ضَلَّ كَثِيرُونَ طَرِيقَهَا وَظَلَّتْ نُفُوسُهُمْ حَائِرَةً، ثُمَّ بَاءُوا فِي النِّهَايَةِ بِالصَّفْقَةِ الكَاسِدَةِ الخَاسِرَةِ، فَفِرْعَوْنُ أَغْوَاهُ مُلْكُهُ، وَقَارُونُ أَشْقَاهُ مَالُهُ، وَهَامَانُ أَرْدَاهُ سُلْطَانُهُ، وَكَمْ مِنْ مَشْهُورٍ عَاشَ مُنْكَسِرًا عَلِيلًا!، وَكَمْ مِمَّنْ ظَنَّهُ النَّاسُ سَعِيدًا مَاتَ تَعِيسًا مَخْذُولًا!؛ لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا السَّعَادَةَ بِغَيْرِ الحَقِيقِيِّ مِنْ أَسْبَابِهَا، وَدَخَلُوا إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ المَشْرُوعِ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَا سَعَوْا لَهُ وَبَحَثُوا عَنْهُ إِلَّا ]كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا[ [النور:39].

عِبَادَ اللهِ:

مَنْ رَامَ السَّعَادَةَ الحَقِيقِيَّةَ سَلَكَ مَسَالِكَهَا الشَّرْعِيَّةَ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ سَعِيدًا فَلْيُحَقِّقِ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ حَقُّ اللهِ عَلَى الْعَبِيدِ، وَلْيَنْأَ عَنِ الشِّرْكِ وَالتَّنْدِيدِ، وَالبِدَعِ وَالضَّلَالَاتِ وَالمَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ [الأنعام: 82]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ: مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ» [أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ]. فَمَنْ وَحَّدَ اللهَ تَوْحِيدًا خَالِصًا، وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا صَادِقًا: عَاشَ عِيشَةً هَنِيَّةً، وَمَاتَ مِيتَةً سَوِيَّةً، وَدَخَلَ الجَنَّةَ رَاضِيًا مَرْضِيًّا، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ] فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى[ [طه: 123-124].

مَعْشَرَ المُؤْمِنِينَ:

وَمَنْ طَلَبَ السَّعَادَةَ غَذَّى رُوحَهُ بِالإِيمَانِ، وَطَهَّرَ قَلْبَهُ مِنَ الأَوْضَارِ وَالأَدْرَانِ، وَإِذَا كَانَ غِذَاءُ الجَسَدِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ؛ فَإِنَّ غِذَاءَ الرُّوحِ مَا فِي السُّنَّةِ وَالْكِتَابِ؛ مِنَ الطَّاعَةِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ المُسْتَطَابِ، فَلَا نَعِيمَ لِلرُّوُحِ وَلَا رَاحَةَ لِلْقَلْبِ حَتَّى يَعْرِفَ حَقَّ رَبِّهِ؛ فَيَعْبُدَهُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [النحل:97].

وَأَيُّ لَذَّةٍ كَتِلْكَ الَّتِي يَجِدُهَا العَابِدُ الرَّاغِبُ الرَّاهِبُ الزَّاهِدُ المُتَوَكِّلُ؟! عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا بْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي؛ أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلَّا تَفْعَلْ؛ مَلَأْتُ صَدْرَكَ شُغْلًا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ].

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ:

وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْيَا سَعِيدًا؛ فَلْيَكُنْ عَنِ الطَّمَعِ وَالجَشَعِ بَعِيدًا؛ إِذْ إِنَّ مَدَّ الإِنْسَانِ عَيْنَيْهِ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ، وَكَثْرَةَ المُقَارَنَةِ وَقِلَّةَ القَنَاعَةِ بِمَا لَدَيْهِ، تَعُودُ بِالضَّرَرِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَسَيَرَى مَنْ هُوَ أَغْنَى مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ جَمِيلًا فَسَيَلْقَى مَنْ هُوَ أَجَمَلُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فَسَوْفَ يَلفَى مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَمَنْ قَنَعَ بِمَا رَزَقَهُ اللهُ وَكَفَّ عَمَّا فِي أَيْدِي خَلْقِ اللهِ: أَرَاحَ نَفْسَهُ، وَسَدَّ بِالرِّضَا نَقْصَهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ]وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى[ [طه: 131]. وَفِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ» [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَفِي الأَمْثَالِ السَّائِرَةِ: (مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ غَمًّا).  وَلِلَّهِ دَرُّ القَائِلِ:

هِيَ الْقَنَاعَةُ فَالْزَمْهَا تَعِــشْ مَلِكًا      لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْكَ إِلَّا رَاحَةُ الْبَـــــدَنِ

وَانْظُرْ لِمَنْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا       هَـلْ رَاحَ مِنْهَا بِغَيْرِ الْقُطْنِ وَالْكَفَنِ

أَقُولُ مَا قَدْ سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ نَلْقَاهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ.

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ:

وَعَلَى مَنْ أَرَادَ السَّعَادَةَ أَنْ يُثَمِّنَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى؛ إِذْ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ نِعَمٌ كَثِيرَةٌ وَآلَاءٌ وَفِيرَةٌ؛ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَا لَدَيْهِ مِنْ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ، وَمِنْ عَافِيَةٍ وَصِحَّةٍ وَسِتْرٍ، وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَفِكْرٍ، وَحَوَاسَّ وَأَعْضَاءٍ لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ فِيهَا مَلَايِينُ لَمَا رَضِيَ أَنْ يُقَايِضَهَا بِهَا،  فَمَنْ ثَمَّنَ مَا عِنْدَهُ مِنْ آلَاءٍ وَنِعَمٍ، وَقَوَّمَ مَا يُدْرَأُ عَنْهُ مِنْ كُرُوبٍ وَنِقَمٍ: اطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ، وَسَكَنَتْ جَوَارِحُهُ، وَارْتَاحَ قَلْبُهُ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الخَطْمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛  فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

إِخْوَةَ الإِسْلَامِ:

وَمَنْ عَاشَ مَعَ النَّاسِ فِي أَفْرَاحِهِمْ وَأَتْرَاحِهِمْ، وَفِي آمَالِهِمْ وَآلَامِهِمْ، يُحِبُّ لَهُمْ مِنَ الخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُمْ مِنَ الشَّرِّ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، لَا يَغِشُّ وَلَا يَحْسُدُ، وَلَا يُشَاحِنُ وَلَا يَحْقِدُ: عَاشَ سَعِيدًا، وَظَلَّ عَنِ الشَّقَاءِ بَعِيدًا؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» [أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].

عِبَادَ اللهِ:

وَلْيَكُنْ لَدَى العَبْدِ مَشْرُوعٌ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ يَعْمَلُ فِيهِ؛ فَإِنَّ مَنْ يَقْعُدُ عَطَّالًا بِلَا عَمَلٍ، بَطَّالًا بِلَا أَمَلٍ؛ سَيَسْأَمُ الحَيَاةَ وَيَمَلُّ الوُجُودَ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَدِّ الفَرَاغِ بِشَيْءٍ يَنْفَعُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، فَلَا سَعَادَةَ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلَا لَذَّةَ لِمَنْ لَمْ يَتَجَرَّعِ المَرَارَةَ:

لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمُ      الْجُودُ يُفْقِرُ وَالإِقْدَامُ قَتَّالُ

وَلَيْجَعَلْ مُبْتَغَاهُ الآخِرَةَ وَلَا يَنْسَ نَصِيبَهُ مِنَ الدُّنْيَا، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَازَ بِالسَّعَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ؛ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ: فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ. وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ: جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ].

فَيَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ سَعَادَةَ الدُّنْيَا نَاقِصَةٌ أَمَدِيَّةٌ، وَسَعَادَةَ الآخِرَةِ كَامِلَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالعَاقِلُ مَنِ اشْتَرَى الكَامِلَةَ الأَبَدِيَّةَ بِالنَّاقِصَةِ الأَمَدِيَّةِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَالصَّبْرَ عَلَى البَلَاءِ، وَالشُّكْرَ عَلَى النَّعْمَاءِ، وَالرِّضَا بِالقَضَاءِ، وَالنَّصْرَ عَلَى الأَعْدَاءِ، وَرَفْعَ الدَّاءِ وَالْوَبَاءِ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.  اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا، سَخَاءً رَخَاءً، دَارَ عَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَأَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْـمُسْلِمِينَ، وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْـمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْـمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَـوَاصِيهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة

الرقعي - قطاع المساجد - مبنى تدريب الأئمة والمؤذنين - الدور الثاني